إن
الكلمة الصادقة النابعة من ضمير حي تعمل في قلب المرسل إليه عمل ( الكلم )
في بدنه أو أبلغ وذلك لأن لكل شيء مفتاح ومفتاح القلوب وأسيرها الكلمة
الرقراقة الحية.
فتجد من يُكفكف دمعه بكلمة جرحته ومن يكظم غيظه لكلمة أغضبته ومن يسل سيفه لجملة أدارت حماليق عينيه..
وإذا أردت أن تعرف مقدار الكلمة
فتأمل قوله تعالى: ( فاصبر على ما يقولون ) وذلك لعظم موقع الكلام وأثره
أُمر نفسي فداه بالصبر على ما يقولون.. بل تأمل الشريعة تجد أن كلمة
التوحيد بها يدخل المرء الإسلام وبكلمة الردة بها يخرج وبالكلمة يُستحل
الفرج ويطيب النكاح وبها تبين العلاقة الزوجية وتنفسخ وبها ينعقد البيع
ويُفسخ وبها يدخل المرء في النسك والصلاة أيضا وبها يخرج وبها تنعقد يمينه
ونذره وبها تطيب ذبيحته ويحل أكله وغير ذلك من الأمور التي تبين عظمة
الكلمة ومدى تأثيرها..
وإليك أخي الحبيب هذه الصور التي تُبين عظمة الكلمة ومساحة نفوذها في النفوس..
بكلمة أصبحوا دعاة
خرج النبي صلى الله عليه وسلم من
الطائف مغموما مهموما لعصيان البشر للدعوة والدخول في سلكها خلا بربه في
طريقه يناجيه ويبث إليه همومه بينما في هذا الحال إذ صُرف إليه نفر من الجن
فآمنوا لما سمعوا الذكر ..قال تعالى وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قُضي ولوا إلى قومهم منذرين )..كان
الجن كفارا فلما سمعوا ذلك الكلام النيّر من القلب الطاهر كانت نقطة
تحولهم من الظلمات إلى النور بل مدى سريان هذا الكلام الجميل في نفوسهم حرك
جوارحهم أن ولوا إلى قومهم منذرين ..
أرأيت ماذا صنعت الكلمة ؟!
كلمة دونت كنزا
قال البخاري ( كنا عند إسحاق بن
راهويه فقال : لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم..قال : فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح )
فهذا الكنز المسمى بصحيح البخاري كان وراءه (اسحاق بن راهويه ) رحمه الله تعالى الذي ألقي الكلمة ولا يدري ما بلغت بعده في الأمة..وكم من كلام عظيم يطحن قلب المستمع إليه لكن تتجلى عظمة الكلام حين تدور رحى أهل الإسلام على كتاب كان سببه كلمة ..
كلمة أحيت نفسا
قال الحاكم: ( سمعت أبا علي الحافظ
يحكي عن شيوخه : أن ابن المبارك قد كان نزل مرة رأس سكة عيسى وكان الحسن بن
عيسى يركب فيجتاز به وهو في المجلس وكان الحسن من أحسن الناس وجها فسأل
عنه ابن المبارك فقيل : إنه نصراني ..فقال : اللهم ارزقه الإسلام .. فاستجاب الله دعوته فيه ).
وبعد فضل الله تعالى بفضل دعوة الرجل
الصالح ابن المبارك التي هي مجرد كلمات ثلاث أصبح ( الحسن ) بعد النصرانية
من أقطاب الإسلام الذين رووا لهم ( مسلم ) و ( أبوداود ) وغيرهم من أصحاب
الحديث ..
وكم كلمة خرجت من فيك ترعد وتبرق حين ترى كافرا بالله تعالى وكان الأولى أن تدعوا لهم بالهداية والرشاد فرحمة الله تعالى غلبت غضبه.
كلمة أحيت همة
ذكر الماوردي في نصيحة الملوك أن
المأمون ابتلي بأكل الطين فحاول به الأطباء فلم يستطيعوا ..فدخل عليه رجل
فقال : يا أمير المؤمنين فأين عزمة من عزمات الخلافة ؟! ؛ فقال المأمون : قوموا فقد كُفيتم العلاج .. فكف عن أكل الطين.
وأحيانا ينفع القول في النفس ما ينفع معه الفعل وكلما كانت القول أبلغ كانت أثره أوضح( وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا )
كلمة غيرت مسار حياة
قال عبد الغني المقدسي ( أضافني رجل
بأصبهان فلما قمنا إلى الصلاة كان هناك رجل لم يُصل فقيل هو شمسي يعني يعبد
الشمس..فضاق صدري ثم قمت بالليل أصلي والشمسي يستمع فلما كان بعد أيام جاء
إلى الذي أضافني وقال : إن الشمسي يريد أن يُسلم .. فمضيت إليه
فأسلم..وقال : من تلك الليلة لما سمعتك تقرأ القرآن وقع الإسلام في قلبي )
إن عظمة الكلمة فوق عظمتها بنفسها
تعظم بعظمة قائلها وما أعظم كلام الله تعالى في نفسه وما أعظم وقعه في
ساحات القلوب ومواطن الآذان ..فلا تحتقر كلمة تريد بها خيرا ونصحاً وأحجم وأقصر عن كلمة لا يرضاها الله تعالى فرب كلمة أوقعت في شرك الانتكاسة وفرب كلمة دفعتك مع الأولين السابقين ..
فيا إخوة الدين حركوا الألسن بالذكر والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما خاب من دل على الله بقلبه ولسانه وعمله ؛ واغتنموا سلسلة الشياطين فالقلوب أواهة أوابة والأذان مصغية وللخير سماعة .. والله بالغ أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ..