المخرج مرزاق علواش لـ ''الخبر''
''لست وكالة سياحية لأقدم صورة جميلة عن الجزائر''
05-01-2012
الجزائر: حاورته مسعودة بوطلعة
''أغلب أفلامي إنتاج مشترك ولم أُجبر يوما على تقديم ما لا أرغب
فيه'' / ''لم أقدم في فيلمي موقفا، هناك نقاش. أنا لست سياسيا بل مخرجا''
''نورمال فيلم عادي ولا يدعو للثورة''
رفض المخرج السينمائي مرزاق علواش أن يصنف فيلمه ''نورمال''
ضمن أفلام الثورات العربية، وقال إنه ينقل تساؤلات الشباب حول الجزائر،
بنظرة من الغيرة مما حدث في تونس ومصر. وانتقد بالمقابل الذين اتهموه
بإقحام لقطات مثيرة والمساس بصورة الجزائر في أفلامه، حيث اعتبر في حوار مع
''الخبر'' أن الفيلم عمل فني، والقبلة واقع في المجتمع. مضيفا أننا في
مجتمع يرفض أن يرى حقيقته في المرآة قائلا: ''أنا لست وكالة سياحية لأقدم
كل ما هو جميل عن الجزائر''.
سنبدأ الحكاية من أولها.. ماذا حدث في وهران عند مناقشة الفيلم؟ ألم تلاحظوا اليوم النقاش مرّ في هدوء، لم يحدث أي شيء خارج حدود الفن
والسينما والاحترام. كان هدفي أن أقدم فيلما خياليا عن الشباب، لكن
اعتبروني مجرما بهذا الفيلم، ثم زوّروا أقوالي، ووصفوني بالعنيف والمتهور.
هل ترون أن لي وجه شخص عنيف؟ وهل يسمح لي مستواي وفني أن أكون كذلك؟
هل من يدافع عن آرائه مجرم؟ وهل القيام بفيلم بكل حرية وتقديم صورة حقيقية عن المجتمع جريمة؟
لقد
تهجموا على الفيلم، وأظن أن الأمر ليس بريئا، بل مقصودا للمساس بشخص مرزاق
علواش لا أكثر. قالوا، على لساني، أشياء لم أقلها أبدا، مثلا قالوا إنني
صرّحت أن الفيلم سيتعرض للمقص في الجزائر، وأنا لم أقل أبدا ذلك.
لكن القطرة التي أفاضت الكأس هي إقحامك لمشاهد مثيرة؟ قدّمت
فيلما بسيطا جدا، ببساطة حياة الجزائريين، لا يوجد أي شيء غير عادي، ما
صورته جزء من الحياة ويوميات زوجين. القبلة شيء عادي، لا يوجد ما هو خارج
عن الفن أو الطبيعة، هي صورة عن الحياة. أنا أسأل ألا يقبّل الناس بعضهم في
المجتمع الجزائري وفي الواقع؟ السينما تنقل الواقع. لم أرتكب جريمة، وسبق
وأن اتهمت بأشياء كثيرة، إحساس يدفعك إلى ممارسة الرقابة الذاتية على
إبداعك وعملك، هذا أخطر من الرقابة الحقيقية، التي يمكن أن تمارس عليك. لم
أر أي إثارة في ''نورمال'' هناك الحياة العادية، قدمت نقدا لما هو موجود،
صوّرت كيف أننا نكذب على الناس، هذه هي الإشكالية الحقيقية.
وصف الكثيرون فيلمك بفيلم الثورات العربية، لكن لم نر ذلك في حقيقة الأمر؟ ما
هو إلا فيلم خيالي، يقدم تساؤلات الشباب حول الحاضر والمستقبل، ليس من أجل
أن أُحدث ثورة، وهو ليس فيلما سياسيا من الدرجة الأولى، بل السياسة جزء من
يوميات الشباب. يتكلم ''نورمال'' أكثر عن السينما والمسرح، ونقد واقع
الثقافة في الجزائر. كيف نقدم للناس وعودا وأكاذيب؟ كيف ننتقد هذا الواقع
فقط؟ لا أعلم كيف تم تحوير محتواه؟ وأصبح الجميع يتكلم عنه على أنه دعوة
للثورة؟!
اعتبروه في مهرجان الدوحة فيلم الثورات العربية، أما أنا فلا
أرى ذلك. أتكلم في الفيلم عن جزائر الحاضر، بعيون الشباب الجزائري، وبنظرة
فيها الكثير من الغيرة نحو الآخر، مما حدث في تونس ومصر. كانت هناك نقاشات
كبيرة في هذين البلدين، حتى قبل الثورة وبعدها، أما في الجزائر فقد توقف
النقاش والحديث، هناك صمت رهيب، لا أعلم لمَ وصلنا إلى هذه المرحلة. إلى ما
حدث في جانفي.2011 نحن فقدنا القدرة على الحديث.
إذن لماذا ركّزت على مظاهرات السبت، وقد تعرضت بسببها للنقد؟ كانت
مظاهرات يوم السبت في الفيلم مجرد مرحلة معينة في قصة الشباب، هم في الأصل
لا يبحثون عن التظاهر، بل كل ما يبحثون عنه هو إيصال انشغالاتهم. أن
يتكلموا عن همومهم ومشاكلهم. نجد مثلا الشاب الذي يتكلم في القصبة عن
الشباب الذي سيخرج لإحداث الفوضى، هو ليس مع ولا ضد، بل يطرح التساؤل عن
مستقبل الجزائر، إلى أين. المسيرات جزء من هذا الواقع، وهذه التساؤلات لا
غير. إنها ضمن السياق، مثل أي تفصيل في الحياة العادية للشباب.
لم أقدم
في فيلمي موقفا، هناك نقاش. أنا لست سياسيا، أنا مخرج أصور كل اللحظات في
المجتمع بحلوها ومرها، الضحك، البكاء، الصراخ والعنف...
انتقدت
كثيرا الأفلام التي تعتمد على الإنتاج المشترك، لأنها تقدم صورة سيئة عن
الذات، وآخرها تصريح الممثل المصري حسين فهمي ما تعليقكم؟ أولا
من هذا حسين فهمي، أنا لا أعرفه، وإن قالها فهي مجرد غيرة زائدة لا غير.
إن لم يعجبه ذلك، فما عليه إلا أن يكتفي بالإنتاج المحلي، وألا يقوم بأعمال
مشتركة.
أغلب أفلامي إنتاج مشترك، ولم أُجبر يوما على تقديم ما لا أرغب
فيه، أو تزييف الوقائع. لا أعرض الأكاذيب، ولا أجمّل الواقع، بل أقدم
الحياة، في الشارع، في المقهى، في العائلة كما هي. هل هذا خطأ؟
للأسف
نحن الجزائريون نخاف من صورتنا، نبحث دائما عن الصورة الجميلة المنمقة،
خاصة الصورة التي نقدمها للآخر. وأتساءل اليوم كيف أعطي صورة للآخر مغايرة
عما أراه؟ إنني أرى صورة الجزائر ابتداء من المطار والجميع يرى الحقيقة،
هذه الصورة في كل الأماكن والشوارع والأحياء. صورة لا أجد فيها ''جزائري''
التي حلمت بها، كما يحلم بها الشباب اليوم أيضا. كثيرا ما أدخل خارج الوطن
في نقاشات خاصة مع الجزائريين، يسألونني لما أقدم صورة سيئة عن وطني؟ كما
قلت سابقا، أنا لست وكالة سياحية، أنا مخرج أقدم ما أرى، نحن الجزائريون
نخجل من أن نر أنفسنا في المرآة، وهذا ليس جديدا علينا.
هناك من ذهب
أبعد وسألني هل تملك الحق لتصور أفلامك في الجزائر بينما تعيش في الخارج؟
أرى العكس، الذي يعيش في الخارج يتألم أكثر، لأنه بعيد ويرى الصورة أوضح.
هذه الأحكام تسيء للمبدعين، هناك من يريد العودة إلى الجزائر والاستثمار في
المجال الفني، لكن إن أحسوا بهذا الرفض لن يعودوا.
ما سر إصرارك على حضور حي ''باب الواد'' في أفلامك؟باب
الواد.. أحب هذا الحي، لست أنا من أذهب إليه، بل الكاميرا.. لقد قلت سابقا
إن ''الباب الواد'' شارع قد يكون عاصميا مائة بالمائة، لكنه يعكس حياة
الجزائريين، بل يعكس الحياة في الأحياء الشعبية في كثير من بقاع العالم.
عندما أخرجت فيلم ''عمر قتلاتو'' تنبأ لي الكثيرون بالفشل، وأن الفيلم لن
يلق الرواج في شرق الجزائر وغربها، باعتباره يحاكي حياة سكان العاصمة. لكن
الفيلم وصل إلى العالمية. وعندما عرض في مكسيكو جاء لي الكثيرون، وقالوا لي
إنك تتحدث عنا، عن حياتنا في شوارع مكسيكو.
وما مشروعك القادم؟ فيلم
درامي سيختلف كثيرا عما قدمت سابقا، يتحدث عن زوج، امرأة ورجل، يفقدان
ابنهما الوحيد. إنها تراجيديا إنسانية، أحاول من خلالها أن أقدم حكايات
عادية عن الجزائريين.