لعنة البوعزيزي تحلّ على طغاة العرب
''الخضّار'' الذي أسقط الديكتاتور
30-12-2011
الجزائر: سامية بلقاضي
مما لا شك فيه أن كتب التاريخ ستعيد فتح ملف الثورة التونسية،
للكشف عن فصول وشهادات ماتزال غائبة، سواء طالت المدة أو قصُرت، فإنه لا بد
من العودة لتفاصيل فرار زين العابدين بن علي لمعرفة ما إذا كان فعلا هرب
خوفا على حياته، مثلما قيل ويقال أو أنه كان ضحية خدعة العسكريين، مثلما
أكد هو على لسان محاميه اللبناني أكرم عزاوي.
في كل الأحوال، تبقى
الثورة التونسية النقطة المفصلية في 2011، بالنظر لكونها أول انكسار في
سلسلة الأنظمة العربية الاستبدادية، لتفتح الباب أمام انهيارات ما كان
ليصدقها عقل عربي قبل مطلع السنة.
والحال أن مطلع 2011 لم يكن يحمل أي
بوادر أو مؤشرات على ثورة لا تكتفي بالتغيير وإنما تطالب برأس النظام، لولا
تلك الصفعة التي نزلت على خد محمد البوعزيزي، لتذكّر التونسيين ومعهم
الشعوب العربية بيوميات الإهانة والذل التي يعيشونها دون القدرة حتى على
الامتعاض، ولأن الصفعة جاءت على يد شرطية، رمز القبضة الحديدية التي كان
يعوّل عليها زين العابدين بن علي، أدرك بائع الخضار المغلوب على أمره أنه
ما من وسيلة للتعبير عن سخطه غير وضع نهاية ملحمية لحياته، علّها تذكّر من
بعده بأنه لا حياة دون كرامة. هكذا ودون سابق إنذار اشتعلت الثورة كالنار
في الهشيم في 5 جانفي، التي نسقت عملياتها عبر ''الفايسبوك''، بعد إعلان
وفاة البوعزيزي إثر 18 يوما من المعاناة في المستشفى.
ولأول مرة، تشهد
تونس خروج الآلاف في مظاهرات في كل الولايات التونسية، ولم تستثن هذه المرة
فئة دون غيرها، فقد التحم الشعب بشكل عفوي، ليتفاجأ التونسيون قبل العالم.
كانت لحظة الحسم حين قرر شباب تونس تجاوز الخوف والوقوف في وجه الموت،
وبالفعل وقف المتظاهرون بصدور عارية في وجه الرصاص الحي. وبمجرد انتشار خبر
سقوط أول الشهداء في مدينة الفصرين وتالة، أدرك التونسيون أنه لم يعد من
مجال للتراجع، وخرجت النخبة والشخصيات الفاعلة والسياسيون في مظاهرة
احتجاجية ضد ممارسات القمع، كان ذلك في مدرجات المسرح البلدي بالعاصمة،
ليفاجئوا ويتأكدوا أن النظام لا يفقه غير القمع وأنه آن أوان المجاهرة
بإسقاطه، في أقل من شهر نجح قمع نظام بن علي للمتظاهرين في تكريس قناعة لدى
الشعب ''بن علي برّا''.
أما بقية القصة فذاك حديث آخر قد لا يكتمل إلا
بشهادات المعنيين، بعد مرور فترة من الزمن، ففي نهاية الأمر كل الثورات
تحتفظ بقسط من أسرارها للزمن وللتاريخ الذي سيحتفظ بأن الأنترنت وموقع
''فايسبوك'' كان آلة ثوار تونس لإسقاط نظام بن علي.