أنهتها عائشة بعبارة ''عقبال عندنا''
مكالمة هاتفية فجرت ''الثورة'' في سوريا
30-12-2011
الجزائر: سامية بلقاضي
تتشابه الثورات من حيث إنها تحدث دون
سابق إنذار، وإن توفرت شروط الانفجار، إلا أن تلك اللحظة التاريخية لا
تحتاج إلى أكثـر من تفصيل بحجم القشة التي تقسم ظهر البعير، والثورة
السورية لم تحد عن هذه القاعدة، فقد كانت مكالمة هاتفية بين صديقتين كافية
لإشعال فتيل الثورة السورية، لتتحول الطبيبة ''عائشة'' إلى بوعزيزي سوريا
إثـر تعرضها للمهانة.
بداية قصة الدكتورة ''عائشة'' كما يرويها السوريون
كانت من خلال مكالمة هاتفية مع صديقتها حول خبر الإطاحة بالرئيس المصري،
حسني مبارك، حيث تمنت الطبيبة تكرار الأمر في سوريا ''عقبال عندنا''،
كلمتان كانتا كافيتين لحضور الأمن السياسي الذي تعقب المكالمة لاعتقال
الطبيبة، ومع أن فترة الاعتقال لم تدم أكثـر من يوم، إلا أن ما تعرضت له
الطبيبة كان بمثابة العار لكل من تنتمي إليه.
تستمر رواية أهالي درعا
بالتأكيد على أن شباب من قرية الطبيبة خرجوا للتنديد بالحادثة، فما كان من
بعضهم إلا أن حملوا شعار الثورات العربية، حيث كتبوا على الجدران ''الشعب
يريد إسقاط النظام''، فسارع الأمن لاعتقال البعض منهم، وبالنظر لعدم إطلاق
سراحهم، توجه الأهالي في طلب أبنائهم فكان الرد ''اليوم أخذنا أولادكم، إن
سألتم ثانية أخذنا نساءكم''، وتضيف تفاصيل القصة أن الخلاف تطور ليتحول إلى
صراع مع محافظ مدينة درعا. حدثت هذه الوقائع منتصف شهر فيفري، لتعلن بداية
الاحتجاجات في سوريا.
استمرت الاحتجاجات في مدينة درعا إلى أن شهدت
العاصمة دمشق أولى المظاهرات التضامنية في 15 من شهر مارس، ولأن الانتفاضة
السورية استمدت من الثورات العربية شعاراتها، لم يجد المتظاهرون مانعا من
الاستعانة بالأساليب السلمية، فكان توالي الجمعات بدءا ''بجمعة الكرامة''
في 18 مارس و''العزة'' و''الشهداء'' والصمود'' و''الإصرار'' وصولا إلى
''جمعة كلنا مع الجيش الحر'' في 25 نوفمبر، الجيش الذي انشق بعضجنوده
وضباطه للدفاع عن المدنيين والثورة بالتوازي مع المجلس السوري بقيادة
الأكاديمي برهان غليون. في غضون هذه الجمع أكدت المنظمات الدولية سقوط
أكثـر من 4 آلاف قتيل.
وسعى المتظاهرون للتأكيد على وحدة الشعب السوري
أمام مقولة النظام ''بتورط يد أجنبية لإحداث فتنة طائفية''، وإن كشفت
الأحداث أن النزاعات الطائفية ليست مجرد تهديد بعد ظهور شعارات من قبيل
المسيحيون إلى بيروت والعلويون إلى التابوت. ورغم الضغوط الدولية والمساعي
الدبلوماسية لاحتواء الأزمة والعقوبات المفروضة، إلا أن هذه التدابير لم
تكن كافية للحد من حجم الأضرار، بالنظر لاعتبار نظام الرئيس الأسد أن ما
يحدث ''مؤامرة ضد صموده ووقوفه في حلف مناهض لأمريكا''.
للتذكير فإن
الرئيس الأسد سبق الأحداث بتأكيده أن ''سوريا ليست مصر ولا تونس وليست
بحاجة إلى تغيير''، قبل أن يعود ليقدم بعض التنازلات في خطاباته بداية
بإقالة محافظ درعا، ثم إقالة الحكومة، ثم إعلان سلسلة من الإصلاحات على
غرار منح الجنسية للأكراد، وصولا إلى التخلي عن المادة الثامنة في الدستور،
والمتعلقة بمكانة حزب البعث، وهي إجراءات كان من الممكن أن تكون كافية لو
أن توقيتها لم يتجاوزه الزمن الثوري، فقد صعّد المتظاهرون من سقف المطالب
مؤكدين أنهم لن يقبلوا بأقل من تنحي النظام، هذا النظام الذي عرف كيف يناور
عندما قبل بالتوقيع على بروتكول الجامعة العربية الذي يقضي بايفاد بعثة من
المراقبين العرب لتقصي الحقائق، ووصلت أول دفعة منهم إلى دمشق يوم 22
ديسمبر، فيما اعتبرت المعارضة أن نظام الأسد يراوغ، وانتقدت البروتكول من
أساسه بعدما كانت تطالب في وقت سابق بتدخل الجامعة العربية، ويبدو أن الأسد
أخلط حسابات المعارضة التي توجهت مباشرة على لسان رئيسها غليون لطلب تدخل
مجلس الأمن وتدويل القضية.. ولقصة الثورة السورية بقية إما أنها تهدد مصالح
العديد من الدول وعلى رأسها إيران وروسيا والصين، وإما بقاؤه سيسقط مخططات
وآمال الإدارة الأمريكية وحلفائها في الماء.