مفخرة القضاة
29-12-2011
لحسن بوربيع
قال وزير العدل في بشار إن إشراف القضاة على العملية الانتخابية
''تحد نفتخر به ويفتخر به كل القضاة''، رغم أن إسناد هذه المهمة لهذا السلك
ليس إبداعا جديدا، حيث كانوا دائما يرأسون اللجان الانتخابية الولائية.
ومع أن القضاة كانوا يشرفون على تلك اللجان، إلا أن القاضي الأول للبلاد
وصف تلك الانتخابات التي راقبوها، في الخطاب الذي ألقاه أمامهم في افتتاح
السنة القضائية، متأخرة بأكثر من شهرين عن أجلها القانوني، بأن الجزائر
المستقلة شهدت انتخابات مماثلة لتلك التي أشرف عليها ''الحاكم العام
الفرنسي'' في عهد الاستعمار مارسيل إيدموند نايجلان. رغم أنه هو ذاته، أحد
''منتوجات'' ثلاثة من تلك الانتخابات التي أشرف عليها القضاة وشبهها الرئيس
بصنيع نايجلان الذي حكم عليه التاريخ أنه زوّر الانتخابات.
ليس من حق
أي كان أن يشك في ''النزاهة'' المنتظرة من القضاة الذين يفتخر بهم وزير
العدل. ولا يجوز لنا أيضا أن نحرم الطيب بلعيز من حقه في الافتخار بزملائه
السابقين القضاة الذين سيشرفون على انتخابات الربيع القادم، إلا أنه كان
عليه فقط أن ينتظر نتائجها، وما يبرهن عليه ''المفتخر بهم'' من احترافية
ونزاهة وقوة.
لكن الواقع أن ''زلة لسان'' الأمين العام للنقابة الوطنية
للقضاة، في ندوته الصحفية الأخيرة، كشفت أن ''المفتخر بهم'' مازالوا
يعتبرون أنفسهم ''موظفين يتلقون الأوامر''، رغم أن القانون كرسهم مستقلين
من أي ضغوط أو وصاية في إصدار الأحكام باسم الشعب الجزائري.
في الجزائر
يحق لوزير العدل أن يفتخر بالقضاة، لأنه واحد منهم. كما يحق للطبيب وزير
الصحة أن يفتخر بما يقوم به بفضل ''فخامته''، كما يؤكد ذلك دائما، حتى صار
الجزائريون يموتون بسبب عدم توفر الدواء. كما يحق لوزير المالية أن يفتخر
بالخزائن المملوءة في الداخل والخارج، 75 مليار دولار في صندوق ضمان
المداخيل وأكثـر من 178 مليار دولار من احتياطيات الصرف في الخزينة
الأمريكية، ومع ذلك لا يستطيع العمال أن يصرفوا مرتباتهم الشهرية بسبب ندرة
السيولة النقدية في البريد والبنوك. كما يحق لوزير الداخلية أن يفتخر
بالقرار الذي اتخذه والقاضي بالإسراع في دراسة ملفات اعتماد الأحزاب
السياسية ومنها من أودع ملفاته قبل 10 سنوات. ومن حق وزير الطاقة والمناجم
أيضا أن يفتخر بقطاعه الذي عجز عن توفير البنزين للسيارات في كامل ولايات
غرب البلاد منذ ما يقارب الأسبوع. وحتى عبد المجيد سيدي السعيد يحق له أيضا
أن يفتخر بنقابته التي هرولت هذه الأيام بخراطيم المياه لإطفاء الفتيل
الذي قد يشتعل في الرويبة التي نسي أن فيها عمالا.
وفي كل هذا لا يجوز
لأي كان، وزيرا أو رئيسا أو متحدثا باسمهم، أن يحرم الجزائريين من حقهم في
''اليأس من حكامهم'' وحتى من الذين يدعون أنهم قادرون أن يخلفوهم، لأن
''البؤس الذي يعيشونه'' لا يحس به أحد سواهم.