ينتظر
الزراع بفارغ صبرهم هطول الأمطار على الأشجار، حتى تنضج ثمارها وتكون
صالحة للأكل، ويتمكنوا من بيعها فيما بعد للناس، كذلك رمضان بالنسبة
للأطفال كالأمطار للأشجار، فرمضان هو ثلاثين يوم من الأمطار الغزيرة، التي
تروي أي شجرة ذابلة، وأي أرض قد أصابها القحط, وتشققت تربتها من قلة الماء،
فإذا أراد المربون والآباء أن ينضج أطفالهم، بحيث يصبحوا صالحين وفعالين
في مجتمعهم، فعليهم برواء أطفالهم من النبع الرباني الصافي.
فرمضان
هو شهر التغيير، وهو مدرسة خاصة بلا مصاريف ولا متاعب مادية، رسومه فقط هي
البذل والاجتهاد والعزيمة، وجميل ما نراه من أبنائنا من الاستعداد لرمضان
سواء كان تعليق الزينة احتفالًا بهذا الشهر الكريم، أو أن يبدأ الأطفال في
الابتداء بالصيام بالتدريج, ولكن ما نريد قوله هو غفلة كثير من الآباء
والأمهات عن هذا الشهر في تربية أبنائهم، وإكسابهم الأخلاق الحميدة والقيم
التي أهمل بعض الآباء في غرسها في أولادهم.
واقعنا والفرصة الذهبية:
حقًا،
لقد أهمل الآباء في تربية أبنائهم، فبالنظر إلى حال أبنائنا وأطفالنا
اليوم، سنجد خللًا في الجانب التربوي، بل في بعض الأحيان تصبح البيئة
الأسرية والبيت، بيئة سلبية بالنسبة للطفل من حيث عدم الاهتمام بالجانب
الإيماني, والجانب الأخلاقي، والإيجابية، وقد يؤدي سوء العلاقة بين الأب
والأم، وكثرة المشكلات إلى انحراف الأبناء، (فالولد حين يفتح في البيت
عينيه، ويرى ظاهرة الخصومة أمام ناظريه، سيترك حتمًا جو البيت القاتم,
ويهرب من محيط الأسرة، ليفتش عن رفاق يقضي معهم جل وقته ويصرف في مخالطتهم
معظم فراغه، فهؤلاء إن كانوا قرناء سوء، ورفقاء شر، فإنه سيدرج معهم على
الانحراف، ويتدنى بهم إلى أرذل الأخلاق وأقبح العادات، بل إن انحرافه
سيتأكد) [تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان (1/122)].
الحقيقة المرة:
لقد
(نجح أعداء الإسلام في تعويد جيل أو عدة أجيال على أن رمضان ما هو إلا أكل
وشراب وفوانيس وفوازير وصيام مع نوم أو تسلية بأي شيء سوى القرآن والذكر,
إن ما نريده من أبنائنا أن يشبوا على أن الله تعالى أعطانا هذا الشهر هدية
ورحمة منه سبحانه وتعالى لتزداد حسناتنا وتغفر سيئاتنا بعد أن نصوم ونقوم
ونقرأ القرآن) [فن التربية في الإسلام، محمد سعيد مرسي, (2/ 102)].
ويمكن
أن نقول أننا قد ابتلعنا الطعم، فأعداء الأمة يسهرون الليالي من أجل أن
يكيدوا بأمتنا، وكل يوم تجد الكثير من الأفكار التي تطل علينا والتي يكون
ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبلها العذاب.
فها
هو رمضان قد أضحى شهر الفوانيس والفوازير والمسلسلات، ونسي الناس أنه شهر
القرآن وشهر تربية الأولاد، وغرس المعاني الإيمانية فيهم, فيمر رمضان علينا
مرور الكرام، دون الظفر بتعويد أولادنا وحثهم على عبادة الله تعالى,
ومكارم الأخلاق.
ونحن
أعزائي الآباء والأمهات أمامنا فرصة نسعى لاغتنامها، فنحن نعيش هذه الأيام
في منحة عظيمة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (افعلوا الخير دهركم،
وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من
عباده) [حسنه الألباني].
أبواب الخير مفتوحة:
إن
رمضان كثيرة هي أبوابه المفتوحة، فقد جعل الله هذا الشهر الكريم موسمًا من
مواسم الخيرات، وهو فرصة عظيمة لتربية أبنائنا على طاعة الله عزوجل، وغرس
الأخلاق، وزرع المعاني الإيمانية فيهم,
يقول
الأستاذ عبد الرحمن النحلاوي: "لا تحقيق لشريعة الله إلا بتربية النفس
والجيل والمجتمع على الإيمان بالله ومراقبته والخضوع له وحده ومن هنا كانت
التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمين وأمانة يحملها
الجيل للجيل الذي بعده ويؤديها المربون للناشئين وكان الويل لمن يخون هذه
الأمانة أو ينحرف بها عن هدفها أو يسيء تفسيرها أو يغير محتواها".
ويقول
الشيخ محمد بن جميل زينو "إن مهمة المربي عظيمة جداً وعمله من أشرف
الأعمال إذا أتقنه وأخلص لله تعالى فيه وربى الطلاب التربية الإسلامية
الصحيحة والمربي والمربية يشمل المدرس والمدرسة والمعلم والمعلمة ويشمل
الأب والأم وكل من يرعى الأولاد. [موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، علي بن نايف الشحود، (4 / 177)]
فمن أبواب الخير:
1. القرآن الكريم:
(إن
للقرآن الكريم تأثيرًا عظيمًا على مستمعه، فيربيه على ما فيه سعادة الدنيا
والآخرة, وهذا التاثير البالغ يدل على أنه معجزة ربانية، ومن ذلك صنيعه في
القلوب، وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلامًا غير القرآن منظومًا ولا
منثورًا إذا قرع السمع، خلص له إلى القلب من لذة وحلاوة, والقرآن الكريم
شفاء لما في الصدور، من أمراض الشهوات والشبهات)[فن التربية في الإسلام، محمد سعيد المرسي، (2/226)].
(ولما
كان الأطفال قاصرين لا يملكون نفعًا ولا ضرًا، فإن الشرع أوجب على الآباء
أن يعلموا أبناءهم القرآن متى كانوا قادرين على ذلك، لأن تعليمهم أمر دينهم
من الواجبات المتأكدة، وأولى ركائز الإسلام الصلاة التي لن تؤدى بدون حفظ
فاتحة الكتاب وما تيسر من كتاب الله, ويعتبر أبو الحسن القابسي، الأب الذي
يصد عن تعليم أهله وبنيه الدين، جافًا بخيلًا كما يعد موقف هذا الصنف من
الآباء مضرًا بالأبناء) [التربية في السنة النبوية، أبو لبابة حسين، (ص14)].
أما تريد أيها الوالد أن ترتدي يوم القيامة تاج الشرف والكرامة هدية من الله تبارك وتعالى, ها هو النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من
قرأ القرآن وتعلم وعمل به ألبس والداه يوم القيامة تاجًا من نور؛ ضوؤه مثل
ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما الدنيا، فيقولان: بم كسينا
هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن) [حسنه الألباني لغيره].
2. الأخلاق:
الباب
الثاني من أبواب الخير, الأخلاق، فهي من الأمور التي يستطيع الأبوان غرسها
في ابنهما في رمضان، فشهر رمضان هو شهر الأخلاق, و(الأخلاق هي جوهر
الإسلام وروحه السارية في جميع نواحيه، يؤكد ذلك قول النبي صلى الله عليه
وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) [صححه الألباني] وعندما نربي الطفل تربية أخلاقية فإننا:
ـ نعوده الأخلاق الحسنة ونبعده عن الأخلاق الرذيلة.
ـ نطهر نفسه من الأخلاق السيئة ونحليها بالأخلاق الحسنة.
ـ ننشئه إنسانًا متكاملًا خلقيًا بحيث يصير مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر) [فن التربية في الإسلام، محمد سعيد المرسي، (2/39)].
3. الصلاة:
الباب
الثالث من أبواب الخير، هو الصلاة، فإن الصلاة عماد الدين من أقامها فقد
أقام الدين, ومن ثم (يجب أن نعوّد أولادنا على الصلاة والمحافظة عليها
والخشوع فيها من الصغر؛ لأن من شَبَّ على شيء شاب عليه) [المشكاة في تربية الصّغارعَلى الصّلاة، حسان بن سالم عيد، ص1].
ورمضان
موسم ممتاز لتعويد أبنائنا الصلاة، واعلم عزيزي المربي أن الصلاة مثلها
مثل الرأس، فإذا أصاب الرأس خلل أو مرض يؤثر ذلك على باقي أعضاء جسم
الإنسان، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (أول ما يحاسب عليه العبد يوم
القيامة الصلاة فإذا صلحت صلح سائر العمل وإذا فسدت فسد سائر العمل) [صححه الألباني].
أما
آن الآوان أيها الآباء والمربين أن ننهض ونروي الشجيرة، حتى تعطينا أحلى
الثمار, قبل أن تصيبها الآفات والحشرات، فتفسد، وتصبح أرض بور لا تصلح
للزراعة, ولا لغرس النباتات!!!
هيا يا معاشر الزراع:
فها
نحن أيها الآباء، قد التمسنا معًا الطريق الصحيح من أجل رواء الشجيرة،
الشجيرة التي ستصبح في يوم من الأيام شجرة كبيرة تنشر أوراقها وأزهارها في
كل مكان، لينتشر عبير ريحانها، وعليل أوراقها، وجمال سمتها، فتكون باعثًا
على الهدوء والاطمئنان والراحة النفسية.
أترضى
أيها الزارع الموفق، أن تصبح شجيرتك الجميلة إذا لم تسارع وتعتني بها،
كشجر الغرقد, الذي من كثرة فساده يصبح عونًا لأعداء الله تعالى اليهود فيما
بعد!!!!
فلا
زال في الوقت متسع، فرمضان ثلاثين يومًا من الأمطار الربانية، والتي إن
أصابت أي أرض، لابد وأن يصيبها الصلاح، فلا تكن أيها الوالد كالمظلة التي
تحمي الناس من الأمطار فتحرم طفلك من التعرض لهذه الأمطار, ولكن افتح
ذراعيك وأطلق لشجيرتك العنان لتشرب من هذا النبع الرباني الخالص، فتكون
بذلك قد راعيت الشجيرة, ووفيت بحقها، والتي ستصبح بعد ذلك شجرة كبيرة, أو
نخلة عظيمة والتي ستضاف إلى آلاف الأشجار في حديقة نصرة الإسلام وعز
المسلمين.
المراجع:
· تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان.
· فن التربية في الإسلام، محمد سعيد مرسي.
· موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، علي بن نايف الشحود.
· التربية في السنة النبوية، أبو لبابة حسين.
· المشكاة في تربية الصّغارعَلى الصّلاة، حسان بن سالم عيد.