AdminAdmin
عدد المساهمات : 5538
نقاط : 36646
الموقع : www.algmax.own0.com
| موضوع: شهر الصيام والقلوب الأربعاء أغسطس 17, 2011 2:03 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
شهر الصيام والقلوب
الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، يخلق ما يشاء ويختار جعل قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء ، والصلاة والسلام على خير الخلق ، وأكرمهم على الله ، محمد بن عبد الله وعلى آله وسلم . وبعد : فإن قلوب العباد ، جعل الله تعالى من صفتها التقلب وعدم الثبات على ما يعتريها من إرادات ونيات وأعمال ، ولا يعلم مدى هذا التغير والتقلب إلا الله تعالى خالقها ومدبرها ، ولذلك فهي إما صالحة أو فاسدة أو بين ذلك . وصلاحها وفسادها وما بين ذلك مرتبط ارتباطا وثيقا بما ييسره الله لها من الإيمان الراسخ والعمل الصالح المندرج تحت الأصول الشرعية أخذاً وعطاءً وقبولاً ورداً الخ . ولا بد لنا في هذا الموضوع أن نلفت انتباه القارئ إلى لمحة سريعة نبين فيها المقاصد العالية والحكم الغالية للصوم كما بينها الإمام بن القيم ( هكذا صيام النبي صلى الله عليه وسلم ) قال : (والمقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية ، والجوع والظمأ ينظم حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين ، وتضييق مجاري الشيطان من العبد لتضييق مجاري الطعام والشراب، ويحبس قوى الأعضاء عن استرسالها فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحها ، وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجُنة المحاربين ورياضة الأبرار المقربين وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم لا يفعل شيئا وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهذا أمر لا يطلع عليه البشر وذلك حقيقة الصوم ). وقال : ( وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوة الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها ، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها ، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى). قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الصوم جنة " ، وأمر من استولت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام ، وجعله دافع هذه الشهوة ، ولا صلاح لها ولا ثبات إلا بالاستقامة على أمر الله الشرعي والتوكل عليه والرضا بما قدر وشرع والتسليم الكامل بذلك ، حيث أن الله كلف العباد بالعبادة الدائمة حتى نهاية الحياة . ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " . وهذا المقال يشتمل على : 1- أنواع القلوب من حيث الصلاح والفساد . 2- القلوب وشهر الصيام . أولا : أنواع القلوب : قلوب العباد أنواع من حيث الصلاح والفساد يرجع ذلك إلى ثبات هذه القلوب على الطاعة وعدمه أو ضعفه ، والثبات على الطاعة يحتاج إلى عقيدة ونية صادقة وهذا أمر واضح في العمل الشرعي من عبادة وصلاة وصيام وحج وعمرة ، فمن كان يريد هذه الأعمال وأداها بنية خالصة فإنها تثمر لصاحبها صلاح قلبه وثباته على طريق الخير والعمل الصالح وإلا على عكس ذلك ، وهذا يتضح جليا في الحديث ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمريء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسول فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا .... الحديث . " رواه البخاري ومسلم " . في هذا الحديث دليل قائد إلى صلاح القلوب ، فإن نية العبد لأي عمل يريده تنعقد في قلبه فعلا أو تركا ، حيث أن كل نية محلها القلب ، وعليها يترتب صلاح الأعمال قبولا وردا مع الشرط الثاني في القبول وهو المتابعة . ومن هنا تتدرج القلوب بين الصلاح والفساد . وهذا كله يرجع إلى ما يقذفه الله تعالى من النور ، نور الإيمان في هذه القلوب وأيضا ما يكون في هذه القلوب من مرض ورجس بسبب فساد النية ومن ثم فساد الأعمال قال الله تعالى { أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ } (22) سورة المجادلة . معنى ذلك أن النية الصالحة مع المتابعة العملية للأمر والنهي تكون سببا لصلاح القلوب وثباتها حتى النهاية . وقال تعالى : {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة } (27) سورة إبراهيم . وهذا جزاء الله لهذه القلوب إلى ما يلحق ذلك من الأمن في الدنيا والآخرة والاطمئنان والراحة النفسية التي يفقدها كثير من أصحاب القلوب المريضة ، قال تعالى :{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ } (28) سورة الرعد . وللقلوب أمراض معنوية كما للأبدان أمراض حسية ، فالقلوب الفاسدة هي القلوب المريضة ، والمرض فيها إما عقدي أو عملي . والعقدي منها وهو أخطرها يتعلق بفساد النية وكراهية هذا القلب لحب الخير عامة ، وحب هذا الدين خاصة والرضا به . ويتركز ذلك في النفاق الاعتقادي وأساسه إظهار الحب للإسلام وإبطان بغضه وكراهيته ، وهذا كفر مخرج من الملة . قال تعالى : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } (142) سورة النساء وقال أيضا : {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } (124) سورة التوبة . وتتدرج القلوب بين الصلاح والفساد وهنا يكون إيمان العبد صالحا ولكنه يعتريه نقص يقل ويكثر بسبب ارتكاب بعض المنكرات أو ترك بعض الواجبات . وهذا ينفعه التزود من الأعمال الصالحة عامة وخاصة في شهر رمضان لأن الحسنات تضاعف فيه أكثر مما تضاعف في غيره من الشهور ، وهذا يكون سببا لرضا المولى عز وجل وقبول أعمال العباد ، قال تعالى :{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (27) سورة المائدة . فكلما زاد في الطاعات زادت خشيته ورجاؤه لله تعالى ويكون مردود ذلك صلاح قلبه وسلامته من هذه الآفات حتى يثيبه الله تعالى في الدنيا بالثبات على الحق وفي الآخرة بالقبول والأمن من المكاره والدخول في زمرة المتقين ، قال تعالى :{يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} الشعراء 88 ، 89. شهر الصيام والقلوب : إنها منحة ، إنها نفحة متكررة ، ورحمة مهداة ، وفرصة سانحة ، لغسل الذنوب وتنقية القلوب من أدران الشرك والمخالفات . اللهم بلغنا تمام رمضان ، وتقبل منا ما مضى من شهر الصيام . آمين شهر رمضان ( الشهر الوحيد ) 30 أو 29 يوما تكون فيه الهدايا مستمرة حتى نهايته ، حيث أن المواسم أيام . فالجمعة في الأسبوع ، والحج في السنة أيام معدودة أقل من شهر ، ولكن رمضان وما أدراك ما رمضان : عبادة مستمرة ، صبر متواصل ، على ترك المألوفات . وما أعظم الهبات فيه ، فهو تقل فيه العثرات وتغفر فيه الذنوب وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما يريدون طيلة أيامه . ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) فهذا فضل عظيم من الله تعالى في هذا الشهر ، يكون العبد بعده كيوم ولدته أمه ، حطت عنه جميع سيئاته التي اقترفها قبله ، وهذا يتجدد كل سنة ، فيا لها من فرصة لصلاح الأعمال والنيات والقلوب . فالقلوب تحصل لها التقوى والخشية بكثرة ما ينكت فيها من النكت البيضاء كما جاء في أحاديث شتى .
|
|